الثلاثاء، 03 يونيو 2025 12:13 ص
رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
بدور ابراهيم
عاجل
مقالات

مشروع إصدار الرقم القومي الموحد للعقار المصري.. من مدينة سان بطرسبرج

الأحد، 01 يونيو 2025 11:47 ص
المهندس عبد الناصر طه رئيس ومؤسس مكتب مصر بالاتحاد الدولي للعقار
المهندس عبد الناصر طه رئيس ومؤسس مكتب مصر بالاتحاد الدولي للعقار

أعلنت الدولة منذ أيام أن مجلس النواب يُقِرُّ مشروعًا هامًّا جدًّا لتسجيل الوحدات السكنية والعقارية في صورة إصدار شهادة توثيق عقاري ورقم قومي موحد مثل شهادة الميلاد.

وكم كنت سعيدًا وأنا أسمع أن وزارة الإسكان سوف تسير في اتجاه تحويل الثروة العقارية في مصر إلى ملكيات مسجلة لها تعريف رقمي نراه جميعًا لأول مرة، ونستطيع معه قياس ما يحدث في أحد أهم قطاعات الأعمال بالدولة!

ولعلي تحدثت منذ 2011 عدة مرات في أغلب المؤتمرات واللقاءات عن أهمية هذا الملف الذي يجب أن تقوم به الدولة المصرية فورًا لارتباطه بمنافع لا حصر لها؛ اقتصادية واستثمارية وأمنية وسياسية واجتماعية وتنظيمية.

وثيقة الملكية العقارية المشروع الأهم

والموضوع بالنسبة إلي له قصة شخصية يرجع تاريخها إلى مايو 2011، فقد حضرت مؤتمر الاتحاد الدولي للعقار في سان بطرسبرج في روسيا، وكان المتحدث الرئيسي أحد أكبر وأهم رجال الاقتصاد في العالم Hernandu Desuto.

وكنت أنا المصري الوحيد، وغالبًا العربي، لأجده يتحدث عن مصر بعد بدء أحداث 2011، وكان الحديث عن طاقات الدول العربية في الشباب، ثم الحديث عن دور التسجيل العقاري، وأن الفرق بين لندن وتورا بورا أمنيًّا هو ارتباط المواطن بشكل مباشر بعنوان ملكيته العقارية، وهكذا استطاع الأمن الوصول إلى صانعي أحداث الشغب في لندن من خلال ربط صورهم بعناوين ملكياتهم العقارية، وبهذا أثبت البُعد الأمني للملكية العقارية، وبعدها تناول الملكية العقارية أو وثيقة ميلاد العقار بوصفها ورقة مالية مسجلة تحرك أموال البنوك والتمويل والاستثمار بأمان.

والأخطر هو تدفق الاستثمار الأجنبي على الدولة التي لديها وثيقة ملكية ذات قيمة وبمعيار عالمي، ثم يأتي الحديث عن البُعد الاجتماعي والاستدامة، وأن الدولة لا يمكن أن تعرف أملاكها إلا من خلال هذا الحصر، ومن ثم يمكنها أن تحافظ عليها وأن تديرها بكفاءة وتحقق منها عوائد حقيقية.

يومها تعلمت أن مشروع وثيقة الملكية العقارية يجب أن يُصنَّف على أنه أهم مشروع لأي دولة، وأنه أهم مشروع اقتصادي وأمني؛ فمعه تختفي ملكيات الأشباح ووضع اليد التي لا تزال عنصر خطورة لا يمكن تقييم حجمه.

وينطبق هذا على الأراضي والمنشآت بأنواعها الزراعية والصناعية والخدمية، وتثبيت المكون العقاري في كل نشاط.

كما يتم بالتوثيق ربط المواطن بالملكية، فلا يمكن إلا أن تكون للمواطن ملكية مثبتة ترجع الدولة إليها في وقت الحاجة، فتقضي على كل العشوائيات وتتحكم في المرافق بشكل رقمي شامل يلغي العبث والتلاعب بالملكيات.

فوثيقة الملكية لن تسمح بالعقار غير المرخص، ولن تمتد إليه يد إلا بالوثيقة الموحدة، فربط المرافق الأساسية من كهرباء ومياه وصرف بالوثيقة يمنع جهة الترفيق من توصيل المرافق إلى أي وحدة بلا سند، وهذا لا يتطلب تشريعًا، بل يتطلب تفعيلًا للتشريعات الحالية، ولكن رقميًّا، بما يقلل فرص التلاعب.

الوثيقة العقارية تحمل الأمان لكل مالك عقار ولكل مستأجر، وتُحوِّل السوق العقارية إلى ثروة مالية كبرى في واحدة من كبرى الأسواق العقارية في العالم، وتحفظ للمؤسسات المالية تمويلها وترفع كفاءتها وإسهامها المباشر في التنمية.

بل يمكن من خلالها طرح الخريطة الرقمية المعلنة التي تُمكِّن من الاستعلام الفوري عن أي ملكية دون وسيط أو جهد، ويمكن من خلال الوثيقة لأي مالك أن يقترض بأمان بضمان وحدته الموثقة.

وبإسقاط الحديث على الواقع، كان أكثر شيء مؤلم هو ما وجدته فعليًّا من أنني لا أستطيع أن أقوم بتسجيل وحدتي العقارية الشخصية في التجمع مثلًا لأن المطور لم يسجل المشروع، مثل كل الوحدات في كل المدن الجديدة، فكيف للدولة أن تنشئ مدنًا جديدة وملايين الوحدات والقانون لا يسمح بشكله الحالي بتسجيلها.

ولم يخلُ الحديث عن دور الدولة الرئيسي بصفتها منظمًا للسوق والثروة العقارية، فلو فكرت الدولة في تحصيل أي مبلغ – ولو بسيطًا جدًّا – من أجل إصدار هذه الوثيقة للمالك فلن يتردد في توثيق ملكيته، وسيتم تحصيل الضريبة العقارية بشكل سهل ومنظم.

اقتراح

وبناءً عليه أتقدم باقتراح بأن تُعفي الدولة المالك من دفع ضريبة على الوحدة الأولى التي يعيش فيها ولو كانت غالية لأنها سكنه في وطنه، ولكن عند امتلاكه أكثر من وحدة يسدد ضريبة عن الوحدات الأخرى، فكثيرون يمتلكون وحدات متعددة باعتبارها مخزنًا للقيمة ويحققون فيها عند إعادة البيع أرباحًا أعلى من أي نشاط تجاري آخر، لذلك يجب أن يُحاسَب ضريبيًّا.

فكم من أموال يمكن أن تصل إلى خزينة الدولة من هذا الباب دون المساس بالحق الأصيل للمواطن في المسكن! ويتم تطبيق هذا الأمر على المواطن اعتبارًا من سن 16 سنة حتى يتمكن الأب من شراء وحدة لأبنائه مسانَدةً لهم في المسكن، خاصة مع ارتفاع تكلفته مقابل قدرة الابن على الشراء في بداية حياته.

وأعتقد أن مشروع الحصر ورقمنة الملكية العقارية مقابل الوضع الحالي الذي يتم فيه البيع والتداول للثورة العقارية بالتوكيلات هو بداية الطريق لتحويل السوق العقارية المصرية إلى سوق دولية حقيقية، وأنه مشروع للدولة طال انتظاره، وآليات التنفيذ هي تحدٍّ أكبر بكثير من القانون نفسه، خاصة مع ربطه القانوني الشامل ومسألة التوكيلات وتسجيل البيع، وأرجو أن تتجاوز الدولة كل التحديات التنفيذية بنجاح إن شاء الله.

كما أرجو أن تتم دراسة الأدوات الخاصة بالتسجيل لكامل المسار الخاص بالحصر والتوثيق في الدول التي لديها تجارب مماثلة في السنوات العشر الأخيرة، وتطبيقها بعد تمصيرها حتى نتفادى اختراع نظام موجود بالفعل، وأتذكر أننا درسنا وقتها تجربة دول مثل جورجيا ومعايير حساب المساحات بمعيار موحد ومعترف به دوليًّا يُسهِّل للمؤسسات المالية الدولية تمويل المستثمر الأجنبي الذي يشتري مقرًّا إداريًّا له في مصر على سبيل المثال، ومن دون ذلك توجد صعوبات كبيرة في التمويل الأجنبي للشركات العاملة في مصر.

أتمنى أن يتحول مشروع إصدار وثيقة عقارية رقمية مثل شهادة الميلاد إلى حقيقة ناجحة يتم بها استثمار الإنجاز العقاري الضخم الذي قامت به مصر في السنوات الأخيرة، وجني ثماره مع الانفتاح على الاستثمارات الدولية.

الوثيقة العقارية تحمل الأمان لكل مالك عقار ولكل مستأجر، وتُحوِّل السوق العقارية إلى ثروة مالية كبرى في واحدة من كبرى الأسواق العقارية في العالم، وتحفظ للمؤسسات المالية تمويلها وترفع كفاءتها وإسهامها المباشر في التنمية.