مصرفيون: خروج 800 مليون دولار من الأموال الساخنة أمس

أدت التوترات بين إيران وإسرائيل إلى خروج جزء من استثمارات الأجانب في اذون وسندات الخزانة (الأموال الساخنة) أمس الأحد نتيجة صدمة.
وتقدر مصادر مصرفية حجم الأموال الساخنة التي خرجت من السوق المصرية أمس بنحو 800 مليون دولار، وهو الرقم الذي سجلته تعاملات الانتربنك، مقارنة بمتوسط يتراوح عادةً بين 150 و250 مليون دولار في الأيام الاعتيادية، وفقًا لمصرفيين مطلعين على السوق.
وارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بنحو 80 قرشًا أمس 50.25 جنيه للشراء، و 50.62 جنيه للبيع
قال مصرفيون إن هذا الارتفاع الاستثنائي في الطلب على الدولار جاء نتيجة عمليات خروج جزئي للمستثمرين الأجانب من أذون وسندات الخزانة المحلية، في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية في المنطقة، لاسيما الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل.
وأوضحوا أن هذه التطورات دفعت بعض المستثمرين إلى التحوط أو إعادة تموضع محافظهم المالية، ما استلزم زيادة كبيرة في تحويلات الدولار لتمويل عمليات التخارج من أدوات الدين.
وأشاروا إلى أن البنك المركزي المصري يُدير سوق الإنتربنك لضمان استقرار السيولة بين البنوك وتلبية احتياجات العملة الأجنبية، مؤكدين أن السوق لا يزال قادرًا على امتصاص الصدمات المؤقتة الناتجة عن تصاعد التوترات الإقليمية.
كما تواجه مصر ضغوطًا اقتصادية متزايدة تتمثل في تفاقم معدلات التضخم واهتزاز استقرار سعر الصرف، بحسب ما يؤكده خبراء اقتصاديون ومصرفيون.
قال الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح إن تداعيات التصعيد بين إسرائيل وإيران لا يمكن فصلها عن واقع التضخم في مصر، مشيرًا إلى أن التأثير المباشر سيظهر بوضوح في ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا.
وأضاف أبو الفتوح أن مصر، رغم جهودها في توفير مصادر الطاقة، لا تزال تعتمد على استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الغاز الطبيعي والمشتقات البترولية، موضحًا أن أي قفزة في أسعار النفط العالمية، كما حدث مؤخرًا بوصول خام برنت إلى ما يتجاوز 78 دولارًا للبرميل، ستنعكس مباشرة على فاتورة الاستيراد المصرية.
وأوضح أن هذا النوع من "التضخم المستورد" سيؤدي إلى زيادة في تكاليف الإنتاج والنقل محليًا، ما يرفع أسعار السلع الأساسية والمواد المستوردة في السوق المصري.
وأشار إلى أن التأثير غير المباشر يتمثل في احتمال اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، لا سيما إذا تأثرت الممرات الملاحية الحيوية مثل مضيق هرمز أو البحر الأحمر، مما سيرفع بدوره تكلفة الشحن والتأمين ويضيف ضغوطًا تضخمية إضافية، حتى على السلع التي لا ترتبط مباشرة بأسعار الطاقة.
وفي ما يتعلق بتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، أشار أبو الفتوح إلى أن التوترات الإقليمية الحالية تشكل مخاطرة كبيرة على تدفقات "الأموال الساخنة" إلى مصر.
وأوضح أن هذه الأموال تبحث بطبيعتها عن العوائد المرتفعة في بيئة مستقرة، وأن استقرار سعر الصرف، رغم أهميته، لا يُعد عاملًا كافيًا وحده لجذب هذه الاستثمارات أو الحفاظ عليها، خاصة في ظل تنامي المخاطر الجيوسياسية في المنطقة.
وأكد أن تحسُّن الجنيه المصري مؤخرًا جاء مدعومًا بعوامل مؤقتة، منها صفقات كبرى وتحويلات قوية من المصريين بالخارج، محذرًا من أن أي تصعيد مفاجئ قد يدفع بعض المستثمرين إلى التخارج أو التردد في ضخ استثمارات جديدة.
وشدد على أن استعادة ثقة المستثمرين تتطلب بناء قصة استثمارية متكاملة تعتمد على استقرار هيكلي أوسع، وليس فقط على توازنات سعر الصرف.
وفي سياق متصل، ثمّن أبو الفتوح توجه الحكومة المصرية نحو طرح أدوات تمويل طويلة الأجل، مثل السندات والصكوك، واصفًا إياه بالخطوة الإيجابية لتعزيز الاستقرار المالي والحد من الاعتماد على التمويل قصير الأجل.
وقال إن هذا التوجه يوفر حماية أكبر للموازنة العامة ضد تقلبات السوق ومخاطر التخارج المفاجئ، مشيرًا إلى أن الأدوات طويلة الأجل تساعد على بناء مرونة اقتصادية تقلل من تأثير الصدمات الخارجية، وتمنح الاقتصاد حصانة أكبر في مواجهة التوترات الجيوسياسية.
من جانبه قال الخبير المصرفي محمد السيد إن التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران ستكون له تداعيات سلبية مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن هذه التوترات الجيوسياسية تؤثر في مسارين رئيسيين: تفاقم الضغوط التضخمية، واحتمال خروج الأموال الساخنة، وهو ما قد يهدد استقرار سعر الصرف ويزيد من الضغوط على الاحتياطيات النقدية الأجنبية.
تفاقم الضغوط التضخمية:
أوضح السيد أن الصراعات الإقليمية تؤثر على الاقتصاد المصري من خلال عدة قنوات رئيسية، أبرزها ارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة النفط والقمح.
وأشار إلى أن الضربات الجوية التي شنتها إسرائيل على منشآت طاقة إيرانية بين 12 و13 يونيو 2025 تسببت في ارتفاع أسعار النفط بنسبة 7% دفعة واحدة، ما سيزيد من فاتورة واردات الطاقة لمصر، وينعكس على تكاليف الإنتاج والنقل محليًا.
وأضاف أن إغلاق إسرائيل لخط الغاز سيجبر مصر على البحث عن مصادر بديلة للطاقة لضمان استقرار الشبكة الكهربائية والصناعات المعتمدة على الغاز، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة إضافية في تكلفة الإنتاج، لا سيما في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة.
كما حذر من احتمال اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، خاصة في الممرات المائية الحيوية مثل قناة السويس، ما قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن والتأمين. ونظرًا لاعتماد مصر الكبير على استيراد القمح، فإن أي اضطراب في الإمداد أو ارتفاع في الأسعار العالمية للحبوب سيؤثر بشكل مباشر على أسعار الغذاء.
وأكد أن الزيادة في أسعار النفط ترفع تكلفة الإنتاج والاستهلاك المحلي، مما يعزز من توقعات التضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية وغير الغذائية في السوق.
خروج الأموال الساخنة وتأثيرها على سعر الصرف
أشار الخبير المصرفي إلى أن استثمارات المحافظ الأجنبية قصيرة الأجل – المعروفة بـ"الأموال الساخنة" – تُعد من أكثر مصادر التمويل تأثرًا بالتقلبات الجيوسياسية، لافتًا إلى أن مصر شهدت تدفقات قوية لهذه الاستثمارات منذ مارس 2024، بقيمة بلغت نحو 38 مليار دولار، عقب قرار رفع الفائدة وتعويم الجنيه.
وأوضح أن أي تصعيد في المنطقة يدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم مخاطر الأسواق الناشئة، ما قد يؤدي إلى سحب هذه الاستثمارات بحثًا عن ملاذات آمنة، وهو ما يضع ضغوطًا على الاحتياطي الأجنبي ويرفع الطلب على الدولار، ومن ثم يؤدي إلى انخفاض قيمة الجنيه، ويزيد بالتالي من تكلفة الواردات ويُغذي الضغوط التضخمية.
أهمية التوجه إلى التمويل طويل الأجل
أكد محمد السيد أن مواجهة هذه التحديات تتطلب تحولات هيكلية في السياسات التمويلية، تبدأ بالتحول من الاعتماد على الأموال الساخنة إلى أدوات تمويل طويلة الأجل.
وأشار إلى أن الحكومة المصرية بدأت بالفعل في طرح سندات وصكوك دولية طويلة الأجل، بهدف تقليل الحاجة إلى إعادة التمويل المتكرر، وهو ما يوفر استقرارًا نسبيًا في بيئة مليئة بالتقلبات.
كما شدد على أهمية التركيز على الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، الذي يُعد أكثر استدامة وأقل عرضة للتقلبات مقارنة بالأموال الساخنة، لافتًا إلى أن هذه الاستثمارات تُسهم في خلق وظائف جديدة وتعزيز القيمة المضافة.
ودعا إلى تنويع مصادر واردات السلع الأساسية، والحد من الاعتماد على عدد محدود من الموردين لتفادي اضطرابات سلاسل الإمداد، مع تعزيز الإنتاج المحلي لتقليل فاتورة الواردات وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي.
وأكد على ضرورة الحفاظ على مرونة سعر الصرف، باعتبارها أداة مهمة لامتصاص الصدمات الخارجية، مشددًا على أن رؤية اقتصادية شاملة تقوم على الاستدامة والمرونة ستسهم في حماية الاقتصاد المصري من تقلبات الأحداث الطارئة، وتدعم مسار نمو مستقر على المدى الطويل.
أكد الخبير الاقتصادي والمتخصص في أسواق المال محمود جمال أن الحكومة المصرية تتحرك بخطى محسوبة لمواجهة الضغوط الاقتصادية الناتجة عن التصعيد الإقليمي بين إسرائيل وإيران، عبر تبني أدوات تمويل طويلة الأجل أكثر استدامة، في ظل تحديات متراكمة على صعيدي التضخم وتذبذب تدفقات "الأموال الساخنة".
قال جمال إن "الاضطرابات الجيوسياسية تمثل دائمًا عامل ضغط جوهري على الاقتصادات الناشئة، ومصر ليست استثناءً من هذه القاعدة"، مشيرًا إلى أن التصعيد الأخير، رغم عدم تحوله إلى مواجهة عسكرية شاملة، تسبب في ارتفاع …