شرم الشيخ.. واحة السلام – بقلم مها سالم - مدير تحرير جريدة الأهرام
في زمنٍ غابت فيه الأصوات العاقلة، بدَت شرم الشيخ كواحة في قلب الصحراء، تمتد فيها ظلال النخيل على أرضٍ تعرف طريقها نحو السلام.
هناك، في المدينة التي وُلِدت من رحم الحروب، عادت القاهرة لتكتب فصلًا جديدًا في كتاب أصول الإنسانية والسياسة، حين نجحت في جمع المتنازعين على مائدة واحدة، لتفتح الطريق نحو اتفاقٍ أعاد الأمل إلى غزة، وإلى المنطقة كلها.
_2778_010352.jpg)
لم يكن اتفاق شرم الشيخ مجرَّد اجتماع، بل امتحان للعالم: هل ما زالت العدالة ممكنة؟ وهل يستطيع الكبار أن يتحلوا بشيء من الحكمة حين يشتد الصراع؟
شرم الشيخ، أرض السلام، كانت أشبه بـ «الواحة» التي حلم بها الجميع في «أولاد حارتنا»؛ تلك المساحة التي يلجأ إليها الناس حين يشتد صراع الحارة، يبحثون فيها عن كلمة عدل تحفظ كرامة الجميع
الولايات المتحدة كانت في قلب هذا المشهد؛ قوةٌ عظمى، لكنها في لحظة الحقيقة احتاجت إلى مَن يُذكِّرها بأن النفوذ لا يُقاس فقط بعدد حاملات الطائرات، بل بقدرتها على أن تنقذ الأرواح، لا أن تبرر الدماء.
ومصر، بثباتها وصبرها، فعلت ما تفعله «الأصول» حين تتكلم؛ لم ترفع الصوت، لكنها فرضت المنطق.
خاطبت واشنطن بلغة المصالح، وقدمت رؤية تحفظ كرامة الفلسطينيين وتمنع انهيار الإقليم، فجاء النجاح المشترك، لكن العقل كان مصريًّا، والهدوء كان مصريًّا، والنتيجة كانت ثمرة الدبلوماسية التي لا تعرف الصخب.
شرم الشيخ، أرض السلام، كانت أشبه بـ «الواحة» التي حلم بها الجميع في «أولاد حارتنا»؛ تلك المساحة التي يلجأ إليها الناس حين يشتد صراع الحارة، يبحثون فيها عن كلمة عدل تحفظ كرامة الجميع.
هناك لم تكن المفاوضات بين دول حسِب الناس أن شتاتهم نهائي، فجمعهم حلم صدَّق أن الحق مُنجٍ، صراع أبدي بين الضمير والأنانية، بين من أراد أن يحيا بسلام على أرضه، ومن أراد أن يمتلك الأرض ولو على حساب الجار.
في تلك الواحة المصرية، تراجع الغضب قليلًا، وارتفعت لغة العقل.
أُعيد الاعتبار إلى لغة الحوار والأيادي الممدودة بالسلام، وترسَّخ الدور المصري بوصفه صمام الأمان الذي لا يمل من السعي إلى السلام حتى في أحلك اللحظات.
لقد أثبتت القاهرة أنها لا تكتفي بالدفاع عن حدودها، بل تصون حدود العدالة.
وبينما كان العالم يتحدث عن القوة، كانت مصر تعيد تعريفها: القوة هي أن توقف الظلم وتحمي بيتك من العدوان، وتحمي جارك حتى من نفسه، تمنع ظلم التيه والتهجير لأهله، لا أن تصيح بضجيج بلا طحين. القوة أن تظل أبوابك مفتوحة بالخير، وأن تجعل من الواحة الصغيرة في سيناء عنوانًا كبيرًا للحكمة في زمن فقد بوصلته.
هل وصلت رسالة مصر؟
عرفت أنها وصلت حين رأيت مشاهد الأطفال في غزة يرفعون أعلامهم إلى السماء، ومعهم علم مصر.
حين حلقت في سماء شرم الشيخ طائرتان تحملان العلمين معًا، كأن الأرض والسماء اتفقتا على رسالة واحدة: أن الأمل ما زال ممكنًا، وأن الواحة التي نحلم بها في «أولاد حارتنا» ليست خيالًا، بل واقع يُكتَب هنا على أرض مصر؛ أرض الأصول، أرض السلام.
