كل شىء بالأصول
تطبيق القرارات بأثر رجعي يضر بالمشترين - بقلم رئيس التحرير - بدور إبراهيم

ساهمت القرارات التي صدرت مؤخرًا، وتفرض رسومًا وأعباءً مالية جديدة على الشركات العقارية، في إثارة حالة من الجدل في السوق، وكذلك توصيات اللجنة الفرعية بجهاز الساحل الشمالي الغربي التي صدرت في أوائل يوليو الماضي وتتعلق بإلغاء تخصيص أراضٍ لعدد من الشركات العقارية نتيجة للتأخر في سداد أقساط أو استخراج قرار وزاري أو تراخيص، وهي توصية فقط وليست قرارًا يُعتدُّ به.
وبالحديث عن الساحل الشمالي أولًا، فالتساؤل الذي يفرض نفسه حاليًا: لماذا صدرت توصية اللجان الفرعية في هذا التوقيت الذي يشهد بدء انطلاق الموسم الصيفي ونشاط الساحل الشمالي؟
فكان من الممكن أن تصدر تلك التوصيات في شهور مثل يناير أو فبراير مثلًا، وحينها كان سيتم التفاوض بين الشركات والجهات الحكومية كما هو معهود دائمًا ومُتبَع على مر السنوات الماضية؛ إذ يتم عقد الاجتماعات بين الطرفين وتوفيق الأوضاع وإصلاح أي خلل ودفع غرامات.
ومن ثم يجب النظر بعين الاعتبار إلى حق المشتري قبل اتخاذ أي إجراءات تجاه المطورين، ويعيدنا ذلك إلى أهمية وجود ضوابط منظمة للسوق العقارية تضمن حفظ حق الدولة والمشتري والمطور على حد سواء، فتحدد تلك الآليات حقوق المشتري إذا أخل المطور بالتزاماته، وحقوق الدولة حال التأخر في التنفيذ أو في سداد الالتزامات المالية، كما تضمن حق المطور إذا تأخرت الدولة في إنهاء الإجراءات، وهو ما يخلق مناخًا صحيًّا وأكثر جذبًا للاستثمار.
لأن مسؤولي هيئة المجتمعات محترفو تنمية، ويدركون دومًا أهمية الإسراع من تنمية المدن وحفظ حقوق الدولة دون التأثير في الاستثمارات، ولكن دائمًا ما يحدث التأخير في المشروعات من الطرفين، فهيئة المجتمعات أحيانًا تتأخر في إصدار القرارات الوزارية والتراخيص، ولكن لا تتم محاسبتها من قِبَل المستثمر مثلما تتم محاسبته على أيِّ تأخير، وهنا نقف: أين حق المشتري العقاري من كل هذا التأخير الذي يفقده الكثير من تحصيل عائد إيجاري؟
وبالحديث عن الشركات العاملة في الساحل الشمالي الغربي، يجب الإشارة إلى أن تلك الشركات أوقفت استثماراتها لمدة تصل إلى عامين، وحرصت على توفيق أوضاعها مع الدولة، وذلك عقب صدور القرار الجمهوري رقم 361 لسنة 2020 بإعادة تخصيص أراضٍ بمساحة 707 آلاف فدان بالساحل الشمالي الغربي لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لاستخدامها في إقامة مجتمعات عمرانية جديدة، الذي بموجبه أصبحت الهيئة هي جهة الولاية الوحيدة على أراضي الساحل الشمالي الغربي.
وبعد أن قامت هيئة المجتمعات بإعادة تخطيط الساحل الشمالي الغربي وتم تنفيذ مشروعات تنموية كبرى من قِبَل الدولة، سارعت الشركات العقارية بإطلاق وتنفيذ مشروعات مميزة ساهمت فيما وصل إليه الساحل الشمالي الآن، الذي أصبح وجهة السائحين من دول الخليج العربي والعالم، فلا شك أن الساحل الشمالي في العامين الماضيين ساهم في عودة الإقبال السياحي على مصر.
إذ حققت مصر نتائج قياسية في عدد السائحين الذين قاموا بزيارتها العام الماضي، فزاد عدد السائحين من دول الخليج خلال 2024 بمعدل 10 أضعاف مقارنة بـ 2023، وقد استقبلت مصر العام الماضي وفقًا لتصريحات وزير السياحة المصري 15.8 مليون سائح، وهو رقم يفوق المعدل القياسي الذي حققته مصر في عام 2010، الذي بلغ فيه عدد السائحين 14.7 مليون سائح.
وعليه، يجب النظر في آلية تطبيق رسوم التنازل بأراضي الساحل الشمالي في الحالات التي يكون فيها مالك الأرض مختلفًا عن المطور العقاري، وكذلك النظر في آلية سداد تلك الرسوم، بحيث يتم السداد على أقساط لعدم مضاعفة الأعباء المالية على المطورين، ومن ثم التأخر في التسليم للمشترين، وثانيًا؛ قرار فرض علاوات تحسين الطريق على الأراضي الواقعة على الطريق الصحراوي كان يجب أن يتم تحديد تلك الرسوم والالتزامات المالية من البداية، وكان ذلك سيتيح للشركات مراعاتها في دراسات الجدوى والتسعير.
فيجب ألا يتم تطبيق القرارات بأثر رجعي، وأن يتم التطبيق على الأراضي الجديدة التي يتم توقيع عقودها وليس على مشروعات جارٍ تنفيذها أو مشروعات تم تسليمها بالفعل، فالتطبيق على جميع المطورين دون النظر إلى وضعية المشروعات يعيدنا إلى أزمة الثقة وعدم احترام التعاقدات التي عانينا منها السنوات الماضية، وكانت سببًا مباشرًا في هرب الاستثمارات الأجنبية وتراجع الاستثمارات المحلية؛ إذ بذلت القيادة السياسية مجهودًا كبيرًا خلال السنوات الماضية لاستعادة الثقة مرة أخرى.
وهناك جانب آخر يجب النظر إليه عند تطبيق تلك القرارات، وهو حماية حق المشتري الذي أنفق مبالغ كبرى مقابل الحصول على وحدة، سواء في الساحل الشمالي أو في أي مدينة جديدة، وفي حال عدم الوصول إلى صيغ اتفاق بين الدولة والمطورين وتطبيق القانون وسحب الأراضي من المستثمر.
فالمتضرر الأكبر سيكون المشتري بالطبع.فلن يحقق رد المبالغ المدفوعة أي جدوى استثمارية للعميل مع التضخم وانخفاض قيمة العملة والارتفاعات المتزايدة في الأسعار، فالعميل في تلك الحالة سيكون قد حُرِم من الفرصة البديلة، أي العوائد التي كان سيحققها إذا استثمر مدخراته منذ عامين في شهادات أو ودائع بنكية أو ذهب، كما لن يستطيع إذا رُدَّت إليه المبالغ المدفوعة شراء شقة في مشروع بديل.
ومن ثم يجب النظر بعين الاعتبار إلى حق المشتري قبل اتخاذ أي إجراءات تجاه المطورين، ويعيدنا ذلك إلى أهمية وجود ضوابط منظمة للسوق العقارية تضمن حفظ حق الدولة والمشتري والمطور على حد سواء، فتحدد تلك الآليات حقوق المشتري إذا أخل المطور بالتزاماته، وحقوق الدولة حال التأخر في التنفيذ أو في سداد الالتزامات المالية، كما تضمن حق المطور إذا تأخرت الدولة في إنهاء الإجراءات، وهو ما يخلق مناخًا صحيًّا وأكثر جذبًا للاستثمار.