إعمار غزة يفتح أسواقًا جديدة أمام شركات المقاولات المصرية.. وخبرات المشروعات القومية والموقع يدعمان التنافسية
اكتسبت شركات المقاولات المصرية خبرات كبرى في السنوات الماضية بفضل المشروعات القومية التي تم طرحها وتنفيذها، والتي لم تحقق تنمية عمرانية ومجتمعية فقط، بل ساهمت في خلق أجيال جديدة من الشركات العقارية بقطاعات المقاولات والتطوير وغيرها، كما ساهمت في رفع كفاءات العاملين بقطاع التشييد والبناء وتأهيل مصر لتصدير الخبرات وصناعات التطوير العقاري والمقاولات.
ومع اتجاه أنظار العالم إلى إعمار غزة، ومع الدور المحوري الكبير الذي تلعبه مصر في ذلك الملف، بدأت شركات المقاولات والتطوير العقاري في الاستعداد والتجهيز للمشاركة في تلك العمليات، وسط دراسات موسعة لاحتياجات عملية إعادة الإعمار وكيفية العمل خارجيًّا دون تأثر السوق المحلية.
حسن عبد العزيز: اتحاد المقاولين العرب يطلق لجنة لتعبئة الموارد المالية ودعم الشركات
وقال المهندس حسن عبد العزيز – رئيس الاتحاد الإفريقي لمنظمات مقاولي التشييد، والرئيس الفخري لاتحاد المقاولين العرب – إن الاتحاد شكَّل لجنة خاصة للتواصل مع البنوك ومؤسسات التمويل العربية والإقليمية، بالتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لتوفير خدمات تمويلية متكاملة للشركات العربية وتعبئة الموارد المالية لمشروعات إعادة الإعمار والتنمية في الدول العربية، وعلى رأسها مشروعات إعمار غزة، وتعزيز التعاون بين شركات المقاولات والمؤسسات المالية لضمان نجاح هذه المشروعات.

وأضاف أن رفع القدرات الفنية والإدارية للشركات العربية والإفريقية لمواكبة التحول الرقمي وأساليب البناء الحديثة أصبح ضرورة لتنفيذ مشروعات البنية التحتية والمدن الذكية بجودة عالية، مؤكدًا أن تبادل الخبرات والتعاون مع المؤسسات التمويلية يمثل ركيزة أساسية في إستراتيجية الاتحاد لدعم إعمار غزة.

محمد سامي سعد: 50 شركة مقاولات مصرية مؤهلة للعمل في الأسواق الخارجية.. والخبرة والملاءة المالية شروط أساسية
وقال المهندس محمد سامي سعد – رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء – إن عملية إعمار قطاع غزة تحتاج إلى فترة زمنية للتحضير والتخطيط قبل البدء في التنفيذ الفعلي، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي غير مهيأ بعدُ للبدء في أعمال الإعمار بسبب حجم الركام الضخم الذي يبلغ نحو 50 مليون طن، وعدم وضوح الصورة بشأن المخططات العمرانية الجديدة أو إذا ما كان سيتم إعادة البناء بنفس النمط السابق.
وأكد أن «المقاول هو آخر من يدخل إلى موقع العمل وليس أول من يذهب»، موضحًا أن الأولوية حاليًّا هي إزالة الركام وإعادة التخطيط وتوفير إسكان مؤقت يسمح للأهالي بالعيش في ظروف آمنة قبل بدء أعمال البناء الدائم.
وأضاف أن نجاح الإعمار يتوقف على وجود مانحين دوليين وضمانات سياسية واضحة، لكن حتى الآن لم تصدر ضمانات دولية كافية لبدء التنفيذ.
وأشار سعد إلى أن عملية الإعمار لن تقتصر على الشركات المصرية فقط، بل ستكون تعاونًا دوليًّا بين جهات مانحة، مثل السعودية وفرنسا ودول أخرى، بينما سيكون لمصر دور محوري ضمن هذا الإطار، لكنه قال إن الرؤى لم تتضح بعدُ، سواء من حيث الشكل النهائي أو الإطار الزمني.
وأشار إلى أن منطقة رفح يمكن أن تكون منطقة لوجستية تتوافر بها مواد البناء ومعدات التشييد لخدمة كل الدول المشاركة في الإعمار، بحيث يتم من خلالها تأجير المعدات وبيع ونقل مواد البناء، نظرًا إلى أنها أقرب موقع جغرافي لغزة.
شروط العمل خارجيًّا
ولفت سعد إلى أن هناك نحو 50 شركة مصرية مسجلة بالاتحاد تمتلك خبرات قوية في العمل بالأسواق الخارجية والتوسع خارج مصر.
وفيما يخص معايير تصنيف شركات المقاولات القادرة على العمل بالأسواق الخارجية، أوضح رئيس الاتحاد أنها تشمل عدة عناصر أساسية، في مقدمتها الملاءة المالية التي تُمكِّن الشركة من إصدار خطابات ضمان وتحمُّل التزاماتها في الخارج، إلى جانب القدرة الفنية على تنفيذ مشروعات كبرى في مجالات الإسكان والمرافق والطرق.
وأضاف أن من بين الشروط أيضًا امتلاك خبرات سابقة في تنفيذ مشروعات خارج مصر، بما يثبت كفاءة الشركة في التعامل مع بيئات عمل مختلفة، فضلًا عن توافر المعدات والآلات اللازمة التي تسمح بتنفيذ الأعمال بكفاءة عالية، ووجود قدرات لوجستية قوية تشمل توفير المواد والخامات المطلوبة في مواقع العمل بالخارج.

أمل عبد الواحد: طفرة البناء في مصر دعمت خبرات شركات المقاولات وساهمت في تطوير المعدات والبرامج التشغيلية
وفي سياق متصل، قال أمل عبد الواحد – نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة «ريدكون للتعمير» – إن قطاع المقاولات المصري شهد قفزة غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، سواء على مستوى حجم الأعمال أو تطوير القدرات الفنية، وذلك بفضل المشروعات الكبرى التي طرحتها الدولة، بما ساهم في رفع خبرات الشركات وفئاتها بالاتحاد المصري لمقاولي التشييد فشركات كانت مصنفة فئة ثالثة أصبحت ثانية، وثانية أصبحت أولى، نتيجة ضغط حجم المشروعات والتوسع في التنمية العمرانية في مصر.
وأضاف أن شركات الإنشاءات في مصر طوَّرت نفسها ومعداتها وبرامجها التشغيلية بشكل كبير، بما جعلها مؤهلة لمزيد من التوسع بالسوق المحلية، وكذلك التوسع خارجيًّا.
وأشار إلى أن «ريدكون» من أولى الشركات التي اتخذت خطوات جادة نحو تصدير المقاولات المصرية، وبدأت في العمل بسوق المملكة العربية السعودية، وهناك خطة للتوسع في مزيد من الأسواق.
وأكد عبد الواحد أن التدريب العملي والخبرات المتراكمة بقطاع المقاولات في مصر خلال السنوات العشر الماضية جعلت الشركات المصرية قادرة على تنفيذ مشروعات عملاقة في وقت قياسي، سواء داخل مصر أو خارجها.

علاء فكري: زيادة الطاقة الإنتاجية لمصانع مواد البناء ضرورة لتجنب ارتفاع الأسعار
وقال المهندس علاء فكري – النائب الأول لرئيس لجنة التطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال المصريين، ورئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة «بيتا للتطوير العقاري» – إنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة ارتفاعًا في أسعار مواد البناء حال بدء ملف إعادة إعمار غزة نتيجة زيادة الطلب على الخامات.
وأشار إلى أن الحل لتفادي أي ارتفاع مبالغ فيه في الأسعار هو زيادة الطاقات الإنتاجية لمصانع مواد البناء، بما يغطي احتياجات السوق المحلية، إلى جانب متطلبات إعادة الإعمار، بما يضمن استقرار الأسعار وعدم حدوث قفزات كبرى.

مواد البناء
أحمد الزيني: مصر ستساهم بنسبة 80% في إعمار غزة.. وقرب مصانع الأسمنت من الحدود يسهل النقل ويخفض التكلفة
فيما أكد أحمد الزيني – رئيس الشعبة العامة لمواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية – أن مصر ستكون أكبر دولة مساهمة في عملية إعمار غزة بنسبة لا تقل عن 80%، نظرًا إلى ما تمتلكه من وفرة في مواد البناء، إلى جانب موقعها الجغرافي المميز الذي يجعلها الأقرب والأقل تكلفة في النقل مقارنة بالدول الأخرى.
وأوضح الزيني أن مصر تمتلك مصانع أسمنت على الحدود مع غزة، ما يسهم في توفير الوقت وتخفيض تكاليف النقل بشكل كبير، مشيرًا إلى أنه يمكن تحميل شحنات الأسمنت من العريش لتصل إلى غزة خلال ساعات قليلة فقط.
وأضاف أن هذه الميزة ستُنشِّط حركة تصدير الأسمنت والسيراميك والزلط، إلى جانب المساهمة الكبيرة في تصدير الحديد، وفقًا للأسعار والعروض التنافسية التي ستقدمها الشركات المصرية.
وأشار إلى أن السوق المصرية تمتلك وفرة كافية من الحديد والأسمنت لتغطية احتياجات السوق المحلية والتصدير في آن واحد، مؤكدًا أن الأسعار لن تتأثر سلبًا نتيجة المساهمة في إعادة الإعمار، بل إن هذه الخطوة ستمثل فرصة حقيقية لجذب العملة الصعبة ودعم الاقتصاد الوطني.
كما أكد أن الشركات المصرية بدأت بالفعل في التعاقد مع مصانع الأسمنت والحديد بالعريش للاستعداد لتوريد احتياجات مشروعات الإعمار في غزة مباشرة.


