مصرفيون: تباطؤ وتيرة خروج الأموال الساخنة... وتراجعها إلى 470 مليون دولار في تعاملات أمس

في ظل تصاعد التوترات غير المسبوقة بين إسرائيل وإيران وتداعياتها السلبية على استقرار المنطقة، تتزايد المخاوف بشأن استمرار الاستثمارات الأجنبية في أذون وسندات الخزانة المحلية، المعروفة بـ"الأموال الساخنة"، داخل الأسواق الناشئة، ومنها مصر، مما ينعكس على استقرار سعر صرف الجنيه المصري.
وقد تراجعت حصيلة تعاملات بيع وشراء الدولار بين البنوك عبر آلية "الإنتربنك" إلى 470 مليون دولار خلال تعاملات أمس، بعد أن هدأت وتيرة خروج الأجانب من أذون وسندات الخزانة المصرية، مقارنةً بحصيلة بلغت 800 مليون دولار في اليوم السابق.
وتجدر الإشارة إلى أن حجم تعاملات الإنتربنك في الأيام الاعتيادية يتراوح عادة بين 150 و250 مليون دولار.
وارتفع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بقيمة 37 قرشًا، ليرتفع من 50.69 إلى 50.32 جنيه، بعد أن كان قد تراجع في اليوم السابق بمقدار 84 قرشًا.
وتُعتبر "الأموال الساخنة" من رؤوس الأموال الأجنبية السريعة الحركة، والتي تُوجه عادة إلى أدوات الدين قصيرة الأجل، وبالأخص أذون وسندات الخزانة، نظرًا لعوائدها المرتفعة وسهولة تسييلها.
وقال طارق متولي، الخبير المصرفي، إن مصر استفادت من "الأموال الساخنة" خلال مراحل الإصلاح النقدي كوسيلة لعبور آمن، إلا أن طبيعتها القصيرة الأمد - والتي تتراوح بين 6 أشهر إلى عام - تستوجب التعامل معها بحذر، وعدم الاعتماد عليها كمصدر دائم للتمويل.
وأضاف متولي أن تجربة خروج نحو 22 مليار دولار في عام 2022 تمثل مثالًا حيًا على ما يمكن أن يحدث إذا تبددت ثقة المستثمرين فجأة، مشيرًا إلى أن البنك المركزي اضطر آنذاك للسحب من الاحتياطي النقدي لتلبية طلبات التخارج ولمنع انفلات سعر صرف الجنيه.
وأوضح أن الاستراتيجية المثلى هي تنويع أدوات التمويل، والتوسع في استخدام السندات الخضراء والصكوك السيادية متوسطة وطويلة الأجل، بالإضافة إلى تفعيل عقود التحوط للشركات المحلية، لتجنب اندفاعها نحو شراء الدولار بشكل تكتيكي عند الأزمات.
كما أكد أن مرونة سعر الصرف، إلى جانب وجود احتياطي تحوطي كافٍ، يمكن أن يوفّر حماية من أي عمليات خروج جماعي دون التسبب في صدمة سعرية.
ومن جانبه، أكد أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، أن الاعتماد على الأموال الساخنة قد يُعطي انطباعًا غير حقيقي عن متانة الجنيه، لأن هذه الأموال تكون أول من يهرب عند شعور المستثمرين بالقلق.
وأوضح غراب أن ارتفاع عائد أذون الخزانة المصرية إلى المرتبة الثالثة عالميًا كان سببًا في جذب هذه التدفقات، رغم التوترات الجيوسياسية، إلا أن هشاشة هذه الاستثمارات تتضح في حال تفاقمت الأحداث أو تراجع العائد العالمي على الدولار، مما يؤدي إلى ضغوط مزدوجة على العملة والاحتياطي النقدي.
وأشار غراب إلى أن البنك المركزي يجري تحليلًا دوريًا للفجوات التمويلية، ويحتفظ باحتياطيات كافية لتغطية الانسحابات، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الحل المستدام يكمن في توسيع قاعدة الإنتاج المحلي، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وترك سعر الصرف ليعكس القيمة الحقيقية للجنيه، حتى لا يتحمل عبء تثبيت مصطنع يتم تمويله عبر أموال قصيرة الأجل.
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي والمصرفي، أن ارتفاع سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري بنسبة 2% – أي بما يعادل نحو جنيه واحد – يرجع إلى تصاعد التوترات منذ اندلاع الحرب في منطقة الشرق الأوسط، ما يدفع المستثمرين، وبالأخص مستثمري الأموال الساخنة، إلى سحب استثماراتهم وضخها في أوعية استثمارية أخرى أكثر أمانًا.
وقال شوقي إن الانخفاض الحالي في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي يُعد نتيجة مباشرة للأحداث الجارية، إلا أنه لا يمثل التحدي الأكبر للاقتصاد المصري، وإنما التحدي الحقيقي يكمن في استمرار هذه التطورات لفترات طويلة، وانعكاساتها على توجهات المستثمرين في أدوات الدين، وعلى أسعار النفط والغاز الطبيعي، وإمدادات الطاقة، بالإضافة إلى تأثر القطاعات التي تدر عملات أجنبية، مثل قناة السويس والسياحة، في ظل استمرار التوترات.
وأشار إلى أن الأيام الأخيرة شهدت خروج عدد من المستثمرين من الاستثمارات غير المباشرة في أدوات الدين، وهو ما ظهر منذ يوم الخميس الماضي بخروج جزئي للمستثمرين الأجانب، مما تسبب في زيادة الطلب على الدولار داخل سوق الإنتربنك، حيث تجاوز حجم الطلب 600 مليون دولار، وهو ما دفع سعر الدولار الأمريكي للارتفاع بهدف تقليص حجم التخارج من السوق.
وأوضح شوقي أن خروج المستثمرين الأجانب، بالتوازي مع خفض الجنيه بنسبة 2% أمام الدولار، قد يتسبب في خسائر لهم من جهة، بينما يعكس مرونة سعر الصرف من جهة أخرى، مشيرًا إلى أن نسبة التراجع حتى الآن لا تزال ضمن النطاق المقبول للتحرك، حيث لم تتجاوز نسبة 5%، وهو ما يُعتبر رسالة واضحة على مرونة العملة المصرية في مواجهة التغيرات.
واختتم الخبير الاقتصادي بالإشارة إلى توجه عدد من المستثمرين نحو الاستثمار في الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين، حيث ارتفع سعر أونصة الذهب ليصل إلى 3423 دولارًا، مسجلًا زيادة تجاوزت 1%.